من هو :
بو عقيل لَبيد بن ربيعة بن مالك العامِري من عامر بن صعصعة من قبيلة هوازن (توفي 41 هـ/661 م) صحابي وأحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية، عمه ملاعب الأسنة وأبوه ربيعة بن مالك والمكنى *بربيعة المقترن* لكرمه. من أهل عالية نجد، مدح بعض ملوك الغساسنة مثل: عمرو بن جبلة وجبلة بن الحارث. أدرك الإسلام، ووفد على النبي (صلى الله عليه وسلم) مسلما، ولذا يعد من الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلا بيتاً واحداً. وسكن الكوفة وعاش عمراً طويلاً. وهو أحد أصحاب المعلقات.
في الجاهلية :
وفد أبو براء ملاعب الأسنة -وهو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب- وإخوته طفيل ومعاوية وعبيدة، ومعهم لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر، وهو غلام، على النعمان بن المنذر، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي، وكان الربيع ينادم النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر، يقال له: سرجون بن نوفل، -وكان حريفاً للنعمان- يعني سرجون- يبايعه، وكان أديباً حسن الحديث والمنادمة، فاستخفه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي- متطبب كان له- وإلى الربيع بن زياد، وكان يدعى الكامل. فلما قدم الجعفريون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم، وذكر معايبهم، ففعل ذلك بهم مراراً، وكانت بنو جعفر له أعداء، فصده عنهم، فدخلوا عليه يوماً فرؤوا منه تغيراً وجفاء، وقد كان يكرمهم قبل ذلك ويقرب مجلسهم، فخرجوا من عنده غضاباً، ولبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم، ويغدو بإبلهم كل صباح، فيرعاها، فإذا أمسى انصرف بإبلهم، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع، وما يلقون منه؛ فسالهم فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعاً، ولا أسرح لكم بعيراً أو تخبروني.
وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس، وكانت يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، وصد عنا وجهه، فقال لهم لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بينه وبيني فأزجره عنكم بقول ممض، ثم لا يلتف النعمان إليه بعده أبداً. فقالوا: وهل عندك من ذلك شيء? قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التربة - فقال: هذه التربة التي لا تذكى ناراً، ولا تؤهل داراً، ولا تسر جاراً، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، بلدها شاسع، ونبتها خاشع، وآكلها جائع، والمقيم عليها ضائع، أقصر البقول فرعاً، وأخبثها مرعى، وأشدها قلعاً، فتعساً لها وجدعاً، القوا بي أخا بني عبس، أرجعه عنكم بتعس ونكس، وأتركه من أمره في لبس. فقالوا: نصبح فنرى فيك رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم؛ فإن رأيتموه نائماً فليس أمره بشيء، وإنما يتكلم بما جاء على لسانه، ويهذي بما يهجس في خاطره، وإذا رأيتموه ساهراً فهو صاحبكم. فرمقوه بأبصارهم، فوجدوه قد ركب رحلاً، فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح.
فلما أصبحوا قالوا: أنت والله صاحبنا، فحلقوا رأسه، وتركوا ذؤابتين، وألبسوه حلة، ثم غدوا به معهم على النعمان، فوجدوه يتغذى ومعه الربيع وهما يأكلان، ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوءة من الوفود. فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، ويقول:
يا رب هيجاً هي خير من دعه أكل يوم هامتي مقزعه
نحن بنو أم البنين الأربعه ومن خيار عامر بن صعصعه
المطعمون الجفنة المدعدعه والضاربون الهام تحت الخيضعه
يا واهب الخير الكثير من سعه إليك جاوزنا بلاداً مسبعه
يخبر عن هذا خيبر فاسمعه مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه
إن استه من برص ملمعه وإنه يدخل فيها إصبعه
يدخلها حتى يواري أشجعه كأنما يطلب شيئاً ضيعه
فلما فرغ من إنشاده التفت النعمان إلى الربيع شزراً يرمقه، فقال: أكذا أنت? قال: لا، والله، لقد كذب علي ابن الحمق اللئيم.
فقال النعمان: أف لهذا الغلام، لقد خبث علي طعامي. فقال: أبيت اللعن، أما إني قد فعلت بأمه. فقال لبيد: أنت لهذا الكلام أهل، وهي من نساء غير فعل ، وأنت المرء فعل هذا بيتيمة في حجره. فأمر النعمان ببني جعفر فأخرجوا. وقام الربيع فانصرف إلى منزله، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه به، وأمره بالانصراف إلى أهله. وكتب إليه الربيع: إني قد تخوفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد، ولست برائم حتى تبعث من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال. فأرسل إليه: إنك لست صانعاً بانتفائك مما قال لبيد شيئاً، ولا قادراً على ما زلت به الألسن، فالحق بأهلك.
في الأسلام :
استقر لبيد في الكوفة بعد إسلامه حيث وافته المنية قرابة بداية عهد معاوية (660 ميلادية) في سن 157 سنة كما يذكر ابن قتيبة أو 145 كما ورد في الأغاني، تسعون منها في الجاهلية وما تبقى في الإسلام. أرسل حاكم الكوفة يوماً في طلب لبيد وسأله أن يلقي بعضاً من شعره فقرأ لبيد (سورة البقرة) وقال عندما انتهى " منحني الله هذا عوض شعري بعد أن أصبحت مسلماً." عندما سمع الخليفة عمر بذلك أضاف مبلغ 500 درهم إلى 2000 درهم التي كان يتقاضها لبيد. حين أصبح معاوية خليفة اقترح تخفيض راتب الشاعر، ذكره لبيد أنه لن يعيش طويلاً. تأثر معاوية ودفع مخصصه كاملاً، لكن لبيد توفي قبل أن يصل المبلغ الكوفة. كانت أم المؤمين عائشه رضي الله عنها تحفظ ما يزيد عن 1000 بيت من شعر لبيدرضي الله عنه.
وفاته :
وقد عاش لبيد بن ربيعة أربعين ومئة سنة (١٤٠)
معلقة لبيد بن ربيعة العامري الصحابي رضي الله عنه :
عَـفَتِ الـدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا
بِـمِنىً تَـأَبَّدَ غَـوْلُهَا فَرِجَامُهَا
فَـمَدَافِعُ الـرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَا
خَلِقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُهَا
دِمَـنٌ تَـجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا
حِـجَجٌ خَلَونَ حَلالُهَا وَحَرامُهَا
رُزِقَـتْ مَرَابِيْعَ النُّجُومِ وَصَابَهَا
وَدَقُّ الـرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُهَا
مِـنْ كُـلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ
وَعَـشِيَّةٍ مُـتَجَاوِبٍ إِرْزَامُـهَا
فَـعَلا فُرُوعُ الأَيْهُقَانِ وأَطْفَلَتْ
بِـالجَهْلَتَيْنِ ظِـبَاؤُهَا وَنَـعَامُهَا
وَالـعِيْنُ سَـاكِنَةٌ عَلَى أَطْلائِهَا
عُـوذاً تَـأَجَّلُ بِالفَضَاءِ بِهَامُهَا
وَجَلا السُّيُولُ عَنْ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا
زُبُـرٌ تُـجِدُّ مُـتُونَهَا أَقْلامُهَا
أَوْ رَجْـعُ واشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤورُهَا
كَـفِفاً تَـعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا
فَـوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا وَكَيفَ سُؤَالُنَا
صُـمًّا خَـوَالِدَ مَا يَبِيْنُ كَلامُهَا
عَرِيتْ وَكَانَ بِهَا الجَمِيْعُ فَأَبْكَرُوا
مِـنْهَا وغُـودِرَ نُؤيُهَا وَثُمَامُهَا
شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حِيْنَ تَحَمَّلُوا
فَـتَكَنَّسُوا قُـطُناً تَصِرُّ خِيَامُهَا
مِـنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عَصِيَّهُ
زَوْجٌ عَـلَيْهِ كِـلَّةٌ وَقِـرَامُهَا
زُجَـلاً كَأَنَّ نِعَاجَ تُوْضِحَ فَوْقَهَا
وَظِـبَاءَ وَجْـرَةَ عُطَّفاً آرَامُهَا
حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كَأَنَّهَا
أَجْـزَاعُ بِـيشَةَ أَثْلُهَا وَرِضَامُهَا
بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارِ وقَدْ نَأَتْ
وتَـقَطَّعَتْ أَسْـبَابُهَا ورِمَامُهَا
مُـرِّيَةٌ حَـلَّتْ بِفَيْد وجَاوَرَتْ
أَهْـلَ الحِجَازِ فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا
بِـمَشَارِقِ الـجَبَلَيْنِ أَوْ بِمُحَجَّرٍ
فَـتَضَمَّنَتْهَا فَـرْدَةٌ فَـرُخَامُهَا
فَـصُوائِقٌ إِنْ أَيْـمَنَتْ فَـمِظَنَّةٌ
فِيْهَا رِخَافُ القَهْرِ أَوْ طِلْخَامُهَا
فَـاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ
وَلَـشَرُّ وَاصِـلِ خُـلَّةٍ صَرَّامُهَا
وَاحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ
بَـاقٍ إِذَا ظَلَعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا
بِـطَلِيحِ أَسْـفَارٍ تَـرَكْنَ بَقِيَّةً
مِـنْهَا فَـأَحْنَقَ صُلْبُهَا وسَنَامُهَا
وَإِذَا تَـعَالَى لَحْمُهَا وتَحَسَّرَتْ
وتَـقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلالِ خِدَامُهَا
فَـلَهَا هِـبَابٌ فِي الزِّمَامِ كَأَنَّهَا
صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا
أَوْ مُـلْمِعٌ وَسَقَتْ لأَحْقَب لاحَهُ
طَرْدُ الفُحُولِ وضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا
يَعْلُو بِهَا حُدْبَ الإِكَامِ مُسَحَّجٌ
قَـدْ رَابَـهُ عِصْيَانُهَا وَوِحَامُهَا
بِـأَحِزَّةِ الـثَّلْبُوتِ يَـرْبَأُ فَوْقَهَا
قَـفْرُ الـمَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا
حَـتَّى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً
جَـزْءاً فَـطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا
رَجَـعَا بِـأَمْرِهِمَا إِلىَ ذِي مِرَّةٍ
حَـصِدٍ ونُـجْعُ صَرِيْمَةٍ إِبْرَامُهَا
ورَمَـى دَوَابِرَهَا السَّفَا وتَهَيَّجَتْ
رِيْحُ المَصَايِفِ سَوْمُهَا وسِهَامُهَا
فَـتَنَازَعَا سَـبِطاً يَـطِيْرُ ظِلالُهُ
كَـدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا
مَـشْمُولَةٍ غُـلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَجٍ
كَـدُخَانِ نَـارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا
فَـمَضَى وقَدَّمَهَا وكَانَتْ عَادَةً
مِـنْهُ إِذَا هِـيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَا
فَـتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعَا
مَـسْجُورَةً مُـتَجَاوِراً قُـلاَّمُهَا
مَـحْفُوفَةً وَسْـطَ اليَرَاعِ يُظِلُّهَا
مِـنْهُ مُـصَرَّعُ غَـابَةٍ وقِيَامُهَا
أَفَـتِلْكَ أَمْ وَحْـشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ
خَـذَلَتْ وهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا
خَـنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
عُـرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وبُغَامُهَا
لِـمُعَفَّرٍ قَـهْدٍ تَـنَازَعَ شِـلْوَهُ
غُـبْسٌ كَوَاسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُهَا
صَـادَفْنَ مِـنْهَا غِـرَّةً فَأَصَبْنَهَا
إِنَّ الـمَنَايَا لا تَـطِيْشُ سِهَامُهَا
بَـاتَتْ وأَسْبَلَ واكِفٌ مِنْ دِيْمَةٍ
يُـرْوَى الخَمَائِلَ دَائِماً تَسْجَامُهَا
يَـعْلُو طَـرِيْقَةَ مَـتْنِهَا مُتَوَاتِرٌ
فِـي لَـيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمامُهَا
تَـجْتَافُ أَصْـلاً قَالِصاً مُتَنَبِّذَا
بِـعُجُوبِ أَنْـقَاءٍ يَمِيْلُ هُيَامُهَا
وتُـضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيْرَةً
كَـجُمَانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا
حَتَّى إِذَا حَسَرَ الظَّلامُ وأَسْفَرَتْ
بَـكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلامُهَا
عَـلِهَتْ تَـرَدَّدُ فِي نِهَاءِ صُعَائِدٍ
سَـبْعاً تُـؤَاماً كَـامِلاً أَيَّامُهَا
حَـتَّى إِذَا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ حَالِقٌ
لَـمْ يُـبْلِهِ إِرْضَـاعُهَا وفِطَامُهَا
فَـتَوَجَّسَتْ رِزَّ الأَنِيْسِ فَرَاعَهَا
عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيْسُ سَقَامُهَا
فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّهُ
مَـوْلَى الـمَخَافَةِ خَلْفُهَا وأَمَامُهَا
حَـتَّى إِذَا يِئِسَ الرُّمَاةُ وأَرْسَلُوا
غُـضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاً أَعْصَامُهَا
فَـلَحِقْنَ واعْتَكَرَتْ لَهَا مَدْرِيَّةٌ
كَـالسَّمْهَرِيَّةِ حَـدُّهَا وتَمَامُهَا
لِـتَذُودَهُنَّ وأَيْـقَنَتْ إِنْ لَمْ تَذُدْ
أَنْ قَدْ أَحَمَّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا
فَتَقَصَّدَتْ مِنْهَا كَسَابِ فَضُرِّجَتْ
بِـدَمٍ وغُودِرَ فِي المَكَرِّ سُخَامُهَا
فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى
واجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكَامُهَا
أَقْـضِي الـلُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيْبَةً
أَوْ أنْ يَـلُومَ بِـحَاجَةٍ لَـوَّامُهَا
أَوَلَـمْ تَـكُنْ تَدْرِي نَوَارِ بِأَنَّنِي
وَصَّـالُ عَـقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا
تَـرَّاكُ أَمْـكِنَةٍ إِذَا لَـمْ أَرْضَهَا
أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
بَـلْ أَنْتِ لا تَدْرِينَ كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ
طَـلْقٍ لَـذِيذٍ لَـهْوُهَا وَنِدَامُهَا
قَـدْ بِـتُّ سَامِرَهَا وغَايَةَ تَاجِرٍ
وافَـيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدَامُهَا
أُغْـلِي السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقِ
أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتَامُهَا
بِـصَبُوحِ صَافِيَةٍ وجَذْبِ كَرِينَةٍ
بِـمُـوَتَّرٍ تَـأْتَـالُهُ إِبْـهَامُهَا
بَاكَرْتُ حَاجَتَهَا الدَّجَاجَ بِسُحْرَةٍ
لأَعَـلَّ مِـنْهَا حِيْنَ هَبَّ نِيَامُهَا
وَغـدَاةَ رِيْـحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقِرَّةٍ
قَد أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا
وَلَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكَّتِي
فُرْطٌ وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامُهَا
فَـعَلَوْتُ مُرْتَقِباً عَلَى ذِي هَبْوَةٍ
حَـرِجٍ إِلَـى أَعْـلامِهِنَّ قَتَامُهَا
حَـتَّى إِذَا أَلْـقَتْ يَداً فِي كَافِرٍ
وأَجَـنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَا
أَسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيْفَةٍ
جَـرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرَّامُهَا
رَفَّـعْتُهَا طَـرْدَ الـنَّعَامِ وَشَلَّهُ
حَتَّى إِذَا سَخِنَتْ وخَفَّ عِظَامُهَا
قَـلِقَتْ رِحَالَتُهَا وأَسْبَلَ نَحْرُهَا
وابْـتَلَّ مِنْ زَبَدِ الحَمِيْمِ حِزَامُهَا
تَرْقَى وتَطْعَنُ فِي العِنَانِ وتَنْتَحِي
وِرْدَ الـحَمَامَةِ إِذْ أَجَدَّ حَمَامُهَا
وكَـثِيْرَةٍ غُـرَبَاؤُهَا مَـجْهُولَةٍ
تُـرْجَى نَوَافِلُهَا ويُخْشَى ذَامُهَا
غُـلْبٍ تَشَذَّرُ بِالذَّحُولِ كَأَنَّهَا
جِـنُّ الـبَدِيِّ رَوَاسِياً أَقْدَامُهَا
أَنْـكَرْتُ بَاطِلَهَا وبُؤْتُ بِحَقِّهَا
عِـنْدِي وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَّي كِرَامُهَا
وجَـزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا
بِـمَغَالِقٍ مُـتَشَابِهٍ أَجْـسَامُهَا
أَدْعُـو بِـهِنَّ لِـعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِلٍ
بُـذِلَتْ لِجِيْرَانِ الجَمِيْعِ لِحَامُهَا
فَـالضَّيْفُ والجَارُ الجَنِيْبُ كَأَنَّمَا
هَـبَطَا تَـبَالَةَ مُخْصِباً أَهْضَامُهَا
تَـأْوِي إِلَى الأطْنَابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ
مِـثْلِ الـبَلِيَّةِ قَـالِصٍ أَهْدَامُهَا
ويُـكَلِّلُونَ إِذَا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ
خُـلُجاً تُـمَدُّ شَوَارِعاً أَيْتَامُهَا
إِنَّـا إِذَا الْتَقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ
مِـنَّا لِـزَازُ عَـظِيْمَةٍ جَشَّامُهَا
ومُـقَسِّمٌ يُعْطِي العَشِيرَةَ حَقَّهَا
ومُـغَذْمِرٌ لِـحُقُوقِهَا هَضَّامُهَا
فَضْلاً وَذُو كَرَمٍ يُعِيْنُ عَلَى النَّدَى
سَـمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامُهَا
مِـنْ مَـعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ
ولِـكُلِّ قَـوْمٍ سُـنَّةٌ وإِمَـامُهَا
لا يَـطْبَعُونَ وَلا يَـبُورُ فَعَالُهُمْ
إِذْ لا يَـمِيْلُ مَعَ الهَوَى أَحْلامُهَا
فَـاقْنَعْ بِـمَا قَسَمَ المَلِيْكُ فَإِنَّمَا
قَـسَمَ الـخَلائِقَ بَـيْنَنَا عَلاَّمُهَا
وإِذَا الأَمَـانَةُ قُسِّمَتْ فِي مَعْشَرٍ
أَوْفَـى بِـأَوْفَرِ حَـظِّنَا قَسَّامُهَا
فَـبَنَى لَـنَا بَـيْتاً رَفِيْعاً سَمْكُهُ
فَـسَمَا إِلـيْهِ كَهْلُهَا وغُلامُهَا
وَهُمُ السُّعَاةُ إِذَا العَشِيرَةُ أُفْظِعَتْ
وَهُـمُ فَـوَارِسُهَا وَهُمْ حُكَّامُهَا
وَهُـمُ رَبـيْعٌ لِـلْمُجَاوِرِ فِيهُمُ
والـمُرْمِلاتِ إِذَا تَـطَاوَلَ عَامُهَا
وَهُـمُ العَشِيْرَةُ أَنْ يُبَطِّئَ حَاسِدٌ
أَوْ أَنْ يَـمِيْلَ مَـعَ العَدُوِّ لِئَامُهَا
بو عقيل لَبيد بن ربيعة بن مالك العامِري من عامر بن صعصعة من قبيلة هوازن (توفي 41 هـ/661 م) صحابي وأحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية، عمه ملاعب الأسنة وأبوه ربيعة بن مالك والمكنى *بربيعة المقترن* لكرمه. من أهل عالية نجد، مدح بعض ملوك الغساسنة مثل: عمرو بن جبلة وجبلة بن الحارث. أدرك الإسلام، ووفد على النبي (صلى الله عليه وسلم) مسلما، ولذا يعد من الصحابة، ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر فلم يقل في الإسلام إلا بيتاً واحداً. وسكن الكوفة وعاش عمراً طويلاً. وهو أحد أصحاب المعلقات.
في الجاهلية :
وفد أبو براء ملاعب الأسنة -وهو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب- وإخوته طفيل ومعاوية وعبيدة، ومعهم لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر، وهو غلام، على النعمان بن المنذر، فوجدوا عنده الربيع بن زياد العبسي، وكان الربيع ينادم النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر، يقال له: سرجون بن نوفل، -وكان حريفاً للنعمان- يعني سرجون- يبايعه، وكان أديباً حسن الحديث والمنادمة، فاستخفه النعمان، وكان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه وإلى النطاسي- متطبب كان له- وإلى الربيع بن زياد، وكان يدعى الكامل. فلما قدم الجعفريون كانوا يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم، وذكر معايبهم، ففعل ذلك بهم مراراً، وكانت بنو جعفر له أعداء، فصده عنهم، فدخلوا عليه يوماً فرؤوا منه تغيراً وجفاء، وقد كان يكرمهم قبل ذلك ويقرب مجلسهم، فخرجوا من عنده غضاباً، ولبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم، ويغدو بإبلهم كل صباح، فيرعاها، فإذا أمسى انصرف بإبلهم، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع، وما يلقون منه؛ فسالهم فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعاً، ولا أسرح لكم بعيراً أو تخبروني.
وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس، وكانت يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، وصد عنا وجهه، فقال لهم لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بينه وبيني فأزجره عنكم بقول ممض، ثم لا يلتف النعمان إليه بعده أبداً. فقالوا: وهل عندك من ذلك شيء? قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم دقيقة القضبان قليلة الورق لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التربة - فقال: هذه التربة التي لا تذكى ناراً، ولا تؤهل داراً، ولا تسر جاراً، عودها ضئيل، وفرعها كليل، وخيرها قليل، بلدها شاسع، ونبتها خاشع، وآكلها جائع، والمقيم عليها ضائع، أقصر البقول فرعاً، وأخبثها مرعى، وأشدها قلعاً، فتعساً لها وجدعاً، القوا بي أخا بني عبس، أرجعه عنكم بتعس ونكس، وأتركه من أمره في لبس. فقالوا: نصبح فنرى فيك رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم؛ فإن رأيتموه نائماً فليس أمره بشيء، وإنما يتكلم بما جاء على لسانه، ويهذي بما يهجس في خاطره، وإذا رأيتموه ساهراً فهو صاحبكم. فرمقوه بأبصارهم، فوجدوه قد ركب رحلاً، فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح.
فلما أصبحوا قالوا: أنت والله صاحبنا، فحلقوا رأسه، وتركوا ذؤابتين، وألبسوه حلة، ثم غدوا به معهم على النعمان، فوجدوه يتغذى ومعه الربيع وهما يأكلان، ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوءة من الوفود. فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريين فدخلوا عليه، وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، ويقول:
يا رب هيجاً هي خير من دعه أكل يوم هامتي مقزعه
نحن بنو أم البنين الأربعه ومن خيار عامر بن صعصعه
المطعمون الجفنة المدعدعه والضاربون الهام تحت الخيضعه
يا واهب الخير الكثير من سعه إليك جاوزنا بلاداً مسبعه
يخبر عن هذا خيبر فاسمعه مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه
إن استه من برص ملمعه وإنه يدخل فيها إصبعه
يدخلها حتى يواري أشجعه كأنما يطلب شيئاً ضيعه
فلما فرغ من إنشاده التفت النعمان إلى الربيع شزراً يرمقه، فقال: أكذا أنت? قال: لا، والله، لقد كذب علي ابن الحمق اللئيم.
فقال النعمان: أف لهذا الغلام، لقد خبث علي طعامي. فقال: أبيت اللعن، أما إني قد فعلت بأمه. فقال لبيد: أنت لهذا الكلام أهل، وهي من نساء غير فعل ، وأنت المرء فعل هذا بيتيمة في حجره. فأمر النعمان ببني جعفر فأخرجوا. وقام الربيع فانصرف إلى منزله، فبعث إليه النعمان بضعف ما كان يحبوه به، وأمره بالانصراف إلى أهله. وكتب إليه الربيع: إني قد تخوفت أن يكون قد وقر في صدرك ما قاله لبيد، ولست برائم حتى تبعث من يجردني فيعلم من حضرك من الناس أني لست كما قال. فأرسل إليه: إنك لست صانعاً بانتفائك مما قال لبيد شيئاً، ولا قادراً على ما زلت به الألسن، فالحق بأهلك.
في الأسلام :
استقر لبيد في الكوفة بعد إسلامه حيث وافته المنية قرابة بداية عهد معاوية (660 ميلادية) في سن 157 سنة كما يذكر ابن قتيبة أو 145 كما ورد في الأغاني، تسعون منها في الجاهلية وما تبقى في الإسلام. أرسل حاكم الكوفة يوماً في طلب لبيد وسأله أن يلقي بعضاً من شعره فقرأ لبيد (سورة البقرة) وقال عندما انتهى " منحني الله هذا عوض شعري بعد أن أصبحت مسلماً." عندما سمع الخليفة عمر بذلك أضاف مبلغ 500 درهم إلى 2000 درهم التي كان يتقاضها لبيد. حين أصبح معاوية خليفة اقترح تخفيض راتب الشاعر، ذكره لبيد أنه لن يعيش طويلاً. تأثر معاوية ودفع مخصصه كاملاً، لكن لبيد توفي قبل أن يصل المبلغ الكوفة. كانت أم المؤمين عائشه رضي الله عنها تحفظ ما يزيد عن 1000 بيت من شعر لبيدرضي الله عنه.
وفاته :
وقد عاش لبيد بن ربيعة أربعين ومئة سنة (١٤٠)
معلقة لبيد بن ربيعة العامري الصحابي رضي الله عنه :
عَـفَتِ الـدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا
بِـمِنىً تَـأَبَّدَ غَـوْلُهَا فَرِجَامُهَا
فَـمَدَافِعُ الـرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُهَا
خَلِقاً كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُهَا
دِمَـنٌ تَـجَرَّمَ بَعْدَ عَهْدِ أَنِيسِهَا
حِـجَجٌ خَلَونَ حَلالُهَا وَحَرامُهَا
رُزِقَـتْ مَرَابِيْعَ النُّجُومِ وَصَابَهَا
وَدَقُّ الـرَّوَاعِدِ جَوْدُهَا فَرِهَامُهَا
مِـنْ كُـلِّ سَارِيَةٍ وَغَادٍ مُدْجِنٍ
وَعَـشِيَّةٍ مُـتَجَاوِبٍ إِرْزَامُـهَا
فَـعَلا فُرُوعُ الأَيْهُقَانِ وأَطْفَلَتْ
بِـالجَهْلَتَيْنِ ظِـبَاؤُهَا وَنَـعَامُهَا
وَالـعِيْنُ سَـاكِنَةٌ عَلَى أَطْلائِهَا
عُـوذاً تَـأَجَّلُ بِالفَضَاءِ بِهَامُهَا
وَجَلا السُّيُولُ عَنْ الطُّلُولِ كَأَنَّهَا
زُبُـرٌ تُـجِدُّ مُـتُونَهَا أَقْلامُهَا
أَوْ رَجْـعُ واشِمَةٍ أُسِفَّ نَؤورُهَا
كَـفِفاً تَـعَرَّضَ فَوْقَهُنَّ وِشَامُهَا
فَـوَقَفْتُ أَسْأَلُهَا وَكَيفَ سُؤَالُنَا
صُـمًّا خَـوَالِدَ مَا يَبِيْنُ كَلامُهَا
عَرِيتْ وَكَانَ بِهَا الجَمِيْعُ فَأَبْكَرُوا
مِـنْهَا وغُـودِرَ نُؤيُهَا وَثُمَامُهَا
شَاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيِّ حِيْنَ تَحَمَّلُوا
فَـتَكَنَّسُوا قُـطُناً تَصِرُّ خِيَامُهَا
مِـنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عَصِيَّهُ
زَوْجٌ عَـلَيْهِ كِـلَّةٌ وَقِـرَامُهَا
زُجَـلاً كَأَنَّ نِعَاجَ تُوْضِحَ فَوْقَهَا
وَظِـبَاءَ وَجْـرَةَ عُطَّفاً آرَامُهَا
حُفِزَتْ وَزَايَلَهَا السَّرَابُ كَأَنَّهَا
أَجْـزَاعُ بِـيشَةَ أَثْلُهَا وَرِضَامُهَا
بَلْ مَا تَذَكَّرُ مِنْ نَوَارِ وقَدْ نَأَتْ
وتَـقَطَّعَتْ أَسْـبَابُهَا ورِمَامُهَا
مُـرِّيَةٌ حَـلَّتْ بِفَيْد وجَاوَرَتْ
أَهْـلَ الحِجَازِ فَأَيْنَ مِنْكَ مَرَامُهَا
بِـمَشَارِقِ الـجَبَلَيْنِ أَوْ بِمُحَجَّرٍ
فَـتَضَمَّنَتْهَا فَـرْدَةٌ فَـرُخَامُهَا
فَـصُوائِقٌ إِنْ أَيْـمَنَتْ فَـمِظَنَّةٌ
فِيْهَا رِخَافُ القَهْرِ أَوْ طِلْخَامُهَا
فَـاقْطَعْ لُبَانَةَ مَنْ تَعَرَّضَ وَصْلُهُ
وَلَـشَرُّ وَاصِـلِ خُـلَّةٍ صَرَّامُهَا
وَاحْبُ المُجَامِلَ بِالجَزِيلِ وَصَرْمُهُ
بَـاقٍ إِذَا ظَلَعَتْ وَزَاغَ قِوَامُهَا
بِـطَلِيحِ أَسْـفَارٍ تَـرَكْنَ بَقِيَّةً
مِـنْهَا فَـأَحْنَقَ صُلْبُهَا وسَنَامُهَا
وَإِذَا تَـعَالَى لَحْمُهَا وتَحَسَّرَتْ
وتَـقَطَّعَتْ بَعْدَ الكَلالِ خِدَامُهَا
فَـلَهَا هِـبَابٌ فِي الزِّمَامِ كَأَنَّهَا
صَهْبَاءُ خَفَّ مَعَ الجَنُوبِ جَهَامُهَا
أَوْ مُـلْمِعٌ وَسَقَتْ لأَحْقَب لاحَهُ
طَرْدُ الفُحُولِ وضَرْبُهَا وَكِدَامُهَا
يَعْلُو بِهَا حُدْبَ الإِكَامِ مُسَحَّجٌ
قَـدْ رَابَـهُ عِصْيَانُهَا وَوِحَامُهَا
بِـأَحِزَّةِ الـثَّلْبُوتِ يَـرْبَأُ فَوْقَهَا
قَـفْرُ الـمَرَاقِبِ خَوْفُهَا آرَامُهَا
حَـتَّى إِذَا سَلَخَا جُمَادَى سِتَّةً
جَـزْءاً فَـطَالَ صِيَامُهُ وَصِيَامُهَا
رَجَـعَا بِـأَمْرِهِمَا إِلىَ ذِي مِرَّةٍ
حَـصِدٍ ونُـجْعُ صَرِيْمَةٍ إِبْرَامُهَا
ورَمَـى دَوَابِرَهَا السَّفَا وتَهَيَّجَتْ
رِيْحُ المَصَايِفِ سَوْمُهَا وسِهَامُهَا
فَـتَنَازَعَا سَـبِطاً يَـطِيْرُ ظِلالُهُ
كَـدُخَانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرَامُهَا
مَـشْمُولَةٍ غُـلِثَتْ بِنَابتِ عَرْفَجٍ
كَـدُخَانِ نَـارٍ سَاطِعٍ أَسْنَامُهَا
فَـمَضَى وقَدَّمَهَا وكَانَتْ عَادَةً
مِـنْهُ إِذَا هِـيَ عَرَّدَتْ إِقْدَامُهَا
فَـتَوَسَّطَا عُرْضَ السَّرِيِّ وصَدَّعَا
مَـسْجُورَةً مُـتَجَاوِراً قُـلاَّمُهَا
مَـحْفُوفَةً وَسْـطَ اليَرَاعِ يُظِلُّهَا
مِـنْهُ مُـصَرَّعُ غَـابَةٍ وقِيَامُهَا
أَفَـتِلْكَ أَمْ وَحْـشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ
خَـذَلَتْ وهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا
خَـنْسَاءُ ضَيَّعَتِ الفَرِيرَ فَلَمْ يَرِمْ
عُـرْضَ الشَّقَائِقِ طَوْفُهَا وبُغَامُهَا
لِـمُعَفَّرٍ قَـهْدٍ تَـنَازَعَ شِـلْوَهُ
غُـبْسٌ كَوَاسِبُ لا يُمَنُّ طَعَامُهَا
صَـادَفْنَ مِـنْهَا غِـرَّةً فَأَصَبْنَهَا
إِنَّ الـمَنَايَا لا تَـطِيْشُ سِهَامُهَا
بَـاتَتْ وأَسْبَلَ واكِفٌ مِنْ دِيْمَةٍ
يُـرْوَى الخَمَائِلَ دَائِماً تَسْجَامُهَا
يَـعْلُو طَـرِيْقَةَ مَـتْنِهَا مُتَوَاتِرٌ
فِـي لَـيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمامُهَا
تَـجْتَافُ أَصْـلاً قَالِصاً مُتَنَبِّذَا
بِـعُجُوبِ أَنْـقَاءٍ يَمِيْلُ هُيَامُهَا
وتُـضِيءُ فِي وَجْهِ الظَّلامِ مُنِيْرَةً
كَـجُمَانَةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نِظَامُهَا
حَتَّى إِذَا حَسَرَ الظَّلامُ وأَسْفَرَتْ
بَـكَرَتْ تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلامُهَا
عَـلِهَتْ تَـرَدَّدُ فِي نِهَاءِ صُعَائِدٍ
سَـبْعاً تُـؤَاماً كَـامِلاً أَيَّامُهَا
حَـتَّى إِذَا يَئِسَتْ وَأَسْحَقَ حَالِقٌ
لَـمْ يُـبْلِهِ إِرْضَـاعُهَا وفِطَامُهَا
فَـتَوَجَّسَتْ رِزَّ الأَنِيْسِ فَرَاعَهَا
عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ والأَنِيْسُ سَقَامُهَا
فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسِبُ أَنَّهُ
مَـوْلَى الـمَخَافَةِ خَلْفُهَا وأَمَامُهَا
حَـتَّى إِذَا يِئِسَ الرُّمَاةُ وأَرْسَلُوا
غُـضْفاً دَوَاجِنَ قَافِلاً أَعْصَامُهَا
فَـلَحِقْنَ واعْتَكَرَتْ لَهَا مَدْرِيَّةٌ
كَـالسَّمْهَرِيَّةِ حَـدُّهَا وتَمَامُهَا
لِـتَذُودَهُنَّ وأَيْـقَنَتْ إِنْ لَمْ تَذُدْ
أَنْ قَدْ أَحَمَّ مَعَ الحُتُوفِ حِمَامُهَا
فَتَقَصَّدَتْ مِنْهَا كَسَابِ فَضُرِّجَتْ
بِـدَمٍ وغُودِرَ فِي المَكَرِّ سُخَامُهَا
فَبِتِلْكَ إِذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى
واجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إِكَامُهَا
أَقْـضِي الـلُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيْبَةً
أَوْ أنْ يَـلُومَ بِـحَاجَةٍ لَـوَّامُهَا
أَوَلَـمْ تَـكُنْ تَدْرِي نَوَارِ بِأَنَّنِي
وَصَّـالُ عَـقْدِ حَبَائِلٍ جَذَّامُهَا
تَـرَّاكُ أَمْـكِنَةٍ إِذَا لَـمْ أَرْضَهَا
أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا
بَـلْ أَنْتِ لا تَدْرِينَ كَمْ مِنْ لَيْلَةٍ
طَـلْقٍ لَـذِيذٍ لَـهْوُهَا وَنِدَامُهَا
قَـدْ بِـتُّ سَامِرَهَا وغَايَةَ تَاجِرٍ
وافَـيْتُ إِذْ رُفِعَتْ وعَزَّ مُدَامُهَا
أُغْـلِي السِّبَاءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عَاتِقِ
أَوْ جَوْنَةٍ قُدِحَتْ وفُضَّ خِتَامُهَا
بِـصَبُوحِ صَافِيَةٍ وجَذْبِ كَرِينَةٍ
بِـمُـوَتَّرٍ تَـأْتَـالُهُ إِبْـهَامُهَا
بَاكَرْتُ حَاجَتَهَا الدَّجَاجَ بِسُحْرَةٍ
لأَعَـلَّ مِـنْهَا حِيْنَ هَبَّ نِيَامُهَا
وَغـدَاةَ رِيْـحٍ قَدْ وَزَعْتُ وَقِرَّةٍ
قَد أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا
وَلَقَدْ حَمَيْتُ الحَيَّ تَحْمِلُ شِكَّتِي
فُرْطٌ وِشَاحِي إِذْ غَدَوْتُ لِجَامُهَا
فَـعَلَوْتُ مُرْتَقِباً عَلَى ذِي هَبْوَةٍ
حَـرِجٍ إِلَـى أَعْـلامِهِنَّ قَتَامُهَا
حَـتَّى إِذَا أَلْـقَتْ يَداً فِي كَافِرٍ
وأَجَـنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلامُهَا
أَسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ كَجِذْعِ مُنِيْفَةٍ
جَـرْدَاءَ يَحْصَرُ دُونَهَا جُرَّامُهَا
رَفَّـعْتُهَا طَـرْدَ الـنَّعَامِ وَشَلَّهُ
حَتَّى إِذَا سَخِنَتْ وخَفَّ عِظَامُهَا
قَـلِقَتْ رِحَالَتُهَا وأَسْبَلَ نَحْرُهَا
وابْـتَلَّ مِنْ زَبَدِ الحَمِيْمِ حِزَامُهَا
تَرْقَى وتَطْعَنُ فِي العِنَانِ وتَنْتَحِي
وِرْدَ الـحَمَامَةِ إِذْ أَجَدَّ حَمَامُهَا
وكَـثِيْرَةٍ غُـرَبَاؤُهَا مَـجْهُولَةٍ
تُـرْجَى نَوَافِلُهَا ويُخْشَى ذَامُهَا
غُـلْبٍ تَشَذَّرُ بِالذَّحُولِ كَأَنَّهَا
جِـنُّ الـبَدِيِّ رَوَاسِياً أَقْدَامُهَا
أَنْـكَرْتُ بَاطِلَهَا وبُؤْتُ بِحَقِّهَا
عِـنْدِي وَلَمْ يَفْخَرْ عَلَّي كِرَامُهَا
وجَـزُورِ أَيْسَارٍ دَعَوْتُ لِحَتْفِهَا
بِـمَغَالِقٍ مُـتَشَابِهٍ أَجْـسَامُهَا
أَدْعُـو بِـهِنَّ لِـعَاقِرٍ أَوْ مُطْفِلٍ
بُـذِلَتْ لِجِيْرَانِ الجَمِيْعِ لِحَامُهَا
فَـالضَّيْفُ والجَارُ الجَنِيْبُ كَأَنَّمَا
هَـبَطَا تَـبَالَةَ مُخْصِباً أَهْضَامُهَا
تَـأْوِي إِلَى الأطْنَابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ
مِـثْلِ الـبَلِيَّةِ قَـالِصٍ أَهْدَامُهَا
ويُـكَلِّلُونَ إِذَا الرِّيَاحُ تَنَاوَحَتْ
خُـلُجاً تُـمَدُّ شَوَارِعاً أَيْتَامُهَا
إِنَّـا إِذَا الْتَقَتِ المَجَامِعُ لَمْ يَزَلْ
مِـنَّا لِـزَازُ عَـظِيْمَةٍ جَشَّامُهَا
ومُـقَسِّمٌ يُعْطِي العَشِيرَةَ حَقَّهَا
ومُـغَذْمِرٌ لِـحُقُوقِهَا هَضَّامُهَا
فَضْلاً وَذُو كَرَمٍ يُعِيْنُ عَلَى النَّدَى
سَـمْحٌ كَسُوبُ رَغَائِبٍ غَنَّامُهَا
مِـنْ مَـعْشَرٍ سَنَّتْ لَهُمْ آبَاؤُهُمْ
ولِـكُلِّ قَـوْمٍ سُـنَّةٌ وإِمَـامُهَا
لا يَـطْبَعُونَ وَلا يَـبُورُ فَعَالُهُمْ
إِذْ لا يَـمِيْلُ مَعَ الهَوَى أَحْلامُهَا
فَـاقْنَعْ بِـمَا قَسَمَ المَلِيْكُ فَإِنَّمَا
قَـسَمَ الـخَلائِقَ بَـيْنَنَا عَلاَّمُهَا
وإِذَا الأَمَـانَةُ قُسِّمَتْ فِي مَعْشَرٍ
أَوْفَـى بِـأَوْفَرِ حَـظِّنَا قَسَّامُهَا
فَـبَنَى لَـنَا بَـيْتاً رَفِيْعاً سَمْكُهُ
فَـسَمَا إِلـيْهِ كَهْلُهَا وغُلامُهَا
وَهُمُ السُّعَاةُ إِذَا العَشِيرَةُ أُفْظِعَتْ
وَهُـمُ فَـوَارِسُهَا وَهُمْ حُكَّامُهَا
وَهُـمُ رَبـيْعٌ لِـلْمُجَاوِرِ فِيهُمُ
والـمُرْمِلاتِ إِذَا تَـطَاوَلَ عَامُهَا
وَهُـمُ العَشِيْرَةُ أَنْ يُبَطِّئَ حَاسِدٌ
أَوْ أَنْ يَـمِيْلَ مَـعَ العَدُوِّ لِئَامُهَا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق